ميلان كونديرا..رواية الخلود




روايه الخلود تأليف ميلان كونديرا ترجمه روز مخلوف

لتحميل الكتاب
حجم الملف 8,800 كيلو بايت 
عدد الصفحات 404 صفحة
نوع الملف : PDF





كتبوا عنها:
تختلف رواية الخلود لميلان كونديرا (ترجمة روز مخلوف، دار ورد للنشر والتوزيع، 1999)، في بنائِها عن النمط السائد للبناء الروائي، حيث تتشظى الأحداث لتكوِّن أنساقاً منزوعة من سياقِها لتُقحَم في سياقات ذهنية للمؤلف، وبما يُشكِّل مرجعية رؤيوية لبث أفكاره الفلسفية والأدبية والوجودية عبرها. كما أن المؤلف يُطلق شخصياته ويُعصرنها ويحاورها ويلتقيها ويترك لها الحرية في تحديد حركتها عبر الرواية.

تُعدّ هذه الرواية رواية أوروبية خالصة بامتياز، وتعكس الثقافة الغربية بكلِّ تجلياتِها، حيث أنَّ مرتَكَزاً أساسياً من مرتكزات فهم الرواية قائمٌ على فهم الثقافة الأوروبية وإبداعاتِها من رسم وموسيقى ونحت وعمارة وحروب... إلخ. فكثير من المواقف حتى يتم استيعابُها، ترتبط بموسيقى بيتهوفن وشوبان وشوبرت، ولوحات سلفادور دالي وبيكاسو، وأشعار غوته ورامبو وإيلوار وآراغون.
وترتبط الرواية بشخصيات تاريخية ثقافية وسياسية محورية في الثقافة الأوروبية (غوته وهمنغواي ونابليون ورامبو وإيلوار..)، كما يبرز اعتزاز عميق في الرواية، وعلى لسان الراوي، بمنجز الحضارة الغربية بوصفها الصيغة الأعلى والأعظم إنجازاً لحضارة الإنسان.

يبث كونديرا مجموعة كبيرة من الآراء الفلسفية والأدبية والثقافية في محاولة للإمساك بفهم للتاريخ برؤية نفسية إيروتيكية، والغوص عميقاً في النفسيات العظيمة للتاريخ الأوروبي والغربي عموماً، لسبر هذه النفسيات التي شكَّلت جزءاً مؤثراً من صورة الحضارة الغربية.

هناك تحليلات عميقة عن الخلود ومعانيه ورؤاه وفلسفته وقيمته وإشكاليته وحقيقته جرى بثُّها عبر شخصيات محورية في الثقافة الأوروبية، وتحديداً غوته ، عبر استحضارها من جديد كشخصيات روائية واستنطاقها. وهناك تحليلات ورؤى عن الشعر والرواية والثقافة والجنس قالها كونديرا من خلال شخصيات روايته المتشظية التي تبرز فجأة وتختفي فجأة وتلتقي فجأة وليس بين معظمها تقاطعات حقيقية، وإنما مصادفات ذات مغزى.

بما أن الرواية تُمثل المثقف الغربي في رؤيته، يمكن قراءة كيفية نظر هذا المثقف للإنسان العربي والحضارة العربية، من خلال ما ورد في الرواية عن العرب . حيث يَرِد العرب في ثلاثة مواقع في الرواية وكما يلي:.
- ظنَّ البروفسور أنَّ العرب يحتجون ضد العنصرية.. إلخ (ص 169). هذه الصورة تمثل العرب في الغرب -خصوصاً فرنسا- حيث يُعانون من اضطهاد وعنصرية.

- برتران لم يُطلق أبداً تصريحاً بشأن الفلسطينيين، بشأن إسرائيل، بشأن ثورة أكتوبر.. لكنه وقف بشغف كبير ضد النازية وضد غرف الغاز.... إلخ (ص 117). هذه الصورة لمثقف ونائب في البرلمان الفرنسي لا يستطيع اختراق سلطة الواقع الأوروبي، فالفلسطينيون ضمن هذه الرؤية يمثلون قضية عادلة، لكن يصعب الوقوف معهم ومساندتهم، حتى من مثقف أوروبي جذري، وهذه صورة أخرى من صور الاضطهاد والعنصرية.
- أما الحضور الأكثر بروزاً ووضوحاً، فهو خلال المرحلة الإيروتيكية الرابعة لروبنس (أحد شخصيات الرواية) التي أسماها مرحلة الهاتف العربي . وهي تُمثل صورة العربي التكوينية الحقيقية في الذهن الغربي: ارتبطت المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الهاتف العربي، ارتباطاً وثيقاً بصديقه م (ص 302).

سُميت بهذا الاسم لعبةٌ لَعِبَ بها كثيراً في سن ما بين الخامسة والسابعة من العمر: يجلس الأطفال جنباً إلى جنب يُسرُّ الأول للثاني بجملةٍ طويلة والذي بدورِهِ يهمس بها للثالث والذي يكررها للرابع، وهكذا على التوالي حتى الأخير الذي ينطق بها بصوتٍ عال ويعمُّ الضحك أمام الاختلاف بين جملة البدء والتحولات النهائية التي طرأت عليها.
هذه اللعبة لعبها روبنس و (م) الراشدان ( الراشدان هنا كممثلين للحضارة الأوروبية أمام لعبة الهاتف العربي التي مارساها في عمر 5-7 سنوات، وهو إيحاء غير مباشر عن العمر الحضاري لهذا العربي الذي لم يبلغ الرشد بعد).
ويضيف المؤلف: بفضل تجربة الهاتف العربي، فإن (ب) كان لها بالتأكيد عشيق آخر في الوقت الذي تُقسم فيه على الإخلاص (ص 303). هنا القَسم على الإخلاص ظاهري، إذ هنالك عشيق آخر في الواقع.

إن صورة العربي تتمثل في هذه اللعبة في الذهن الغربي كما يلي: تبدأ (حضارة ما، شخصية ما، حدث ما) بفكرة أو بأسطورة تكوينية أو بقاعدة أساس يُبنى عليها..إ لخ. وفي الحضارة الغربية يتم الحوار والبناء والصراع علناً للبناء والنمو على هذه الفكرة التأسيسية، ومعها. بينما في الهاتف العربي يتم تداولها سراً حتى ينطق بها بصوتٍ جهوري عال الأبله في اللعبة ، وهو الممثل الحقيقي لسلطة قابضة على معايير القبول والرفض في الثقافة والحياة والمجتمع.
من الأفكار الأساسية الواردة على لسان الراوي (المؤلف)، فكرة الأساس التي تُبنى الشخصية عليها ولا يمكنها تجاوزها، والتي من خلالها فسَّر أسباب انتحار آنييس ، وكيف اكتملت الزهرة السوداء في اللحظة التي انتحرت بها.

يمكن استعارة هذه الفكرة لاستنتاج أن صورة العربي في التأسيس في ذهن كونديرا (المثقف الغربي الجذري) هي فكرة الهاتف العربي التي يتناقض بها ما هو حقيقي متداول سراً وما هو مُعلن (عبر الأبله، الناطق الوحيد في اللعبة). بمعنى أن هناك انشطاراً في الشخصية العربية، بين ما يؤمن به المثقف سراً ويقوله لخُلصائهِ وجلسائه الخاصين، وبين ما يواريه وينطق به عبر سلسلة اللاعبين في الهاتف العربي. هذه الفكرة تستوجب التوقف والبحث في مدلولاتها لاستكناه هذا الشرخ التكويني العميق.

بينما كان كاتب هذه السطور يقرأ الرواية، تخيل أن كونديرا يقف في الساحة ويسأل: هل من مبارز.. هل من محارب؟.
كونديرا هذا، هو الممثل الحقيقي الذي يحمل وجوه كل الثقافات الغربية من سقراط وأرسطو وهوميروس وفرجيل وطروادة والحروب الصليبية ودانتي ودافنشي ورامبرانت وغوته وهمنغواي وهوجو وبلزاك وبيتهوفن وشوبان وموزارت وشوبرت وسلفادور دالي وبيكاسو وموسيقى الغجر وموسيقى الروك والراب.
في الجانب الآخر من الرواية، يقف ممثل القرن الهجري الأول إلى جوار ممثل القرن الهجري الثاني إلى جوار ممثل القرن الهجري الثالث إلى جوار الرابع والخامس والسادس.. إلخ، ويطلب كلٌّ منهم النِزال. الفرق الجوهري بين الطرفين أن كونديرا حصيلة صراع وتناغم وتلاقح لتلك الثقافات التي تشكلت عبر القرون في قلب الحضارة الغربية، فهضمتها عبر الصراع بينها وانتصار الأقوى والأكثر حضوراً والأكثر أصالة.

بينما المثقف العربي تتجاور فيه الثقافات من القرن الهجري الأول وما قبله وحتى الآن، لا تتصارع ولا تتلاقح (أي أن الروح الإيروتيكية مفقودة)، لذلك فإن ممثلي هذه الثقافات المتباينة يجلسون جنباً إلى جنب ليدَّعي كلٌّ منهم تمثيل هذه الحضارة الغائبة.

مهدي نصير

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Favorites More
تحميل